القرآن الكريم » تفسير ابن كثر » سورة القصص
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ ۚ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاءَ بِالْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (85) (القصص) 

يَقُول تَعَالَى آمِرًا رَسُوله صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ بِبَلَاغِ الرِّسَالَة وَتِلَاوَة الْقُرْآن عَلَى النَّاس وَمُخْبِرًا لَهُ بِأَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَى مَعَاد وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة فَيَسْأَلهُ عَمَّا اِسْتَرْعَاهُ مِنْ أَعْبَاء النُّبُوَّة وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى" إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْك الْقُرْآن لَرَادُّك إِلَى مَعَاد " أَيْ اِفْتَرَضَ عَلَيْك أَدَاءَهُ إِلَى النَّاس " لَرَادُّك إِلَى مَعَاد " أَيْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَيَسْأَلك عَنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى " فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ " وَقَالَ تَعَالَى " يَوْم يَجْمَع اللَّه الرُّسُل فَيَقُول مَاذَا أُجِبْتُمْ " وَقَالَ " وَجِيئَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء" وَقَالَ السُّدِّيّ عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس " إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْك الْقُرْآن لَرَادُّك إِلَى مَعَاد " يَقُول لَرَادُّك إِلَى الْجَنَّة ثُمَّ سَائِلك عَنْ الْقُرْآن . قَالَهُ السُّدِّيّ وَقَالَ أَبُو سَعِيد مِثْلهَا وَقَالَ الْحَكَم بْن أَبَان عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا " لَرَادّك إِلَى مَعَاد" قَالَ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَرَوَاهُ مَالِك عَنْ الزُّهْرِيّ , وَقَالَ الثَّوْرِيّ عَنْ الْأَعْمَش عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس " لَرَادّك إِلَى مَعَاد " إِلَى الْمَوْت وَلِهَذَا طُرُق عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَفِي بَعْضهَا لَرَادّك إِلَى مَعْدِنك مِنْ الْجَنَّة وَقَالَ مُجَاهِد يُحْيِيك يَوْم الْقِيَامَة وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَة وَعَطَاء وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَأَبِي قَزَعَة وَأَبِي مَالِك وَأَبِي صَالِح وَقَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَيْ وَاَللَّه إِنَّ لَهُ لَمَعَادًا فَيَبْعَثهُ اللَّه يَوْم الْقِيَامَة ثُمَّ يُدْخِلهُ الْجَنَّة . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس غَيْر ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْبُخَارِيّ فِي التَّفْسِير مِنْ صَحِيحه حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مُقَاتِل أَنْبَأَنَا يَعْلَى حَدَّثَنَا سُفْيَان الْعُصْفُرِيّ عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس " لَرَادّك إِلَى مَعَاد " قَالَ إِلَى مَكَّة وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي تَفْسِير سُنَنه وَابْن جَرِير مِنْ حَدِيث يَعْلَى وَهُوَ اِبْن عُبَيْد الطَّنَافِسِيّ بِهِ وَهَكَذَا رَوَاهُ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس " لَرَادّك إِلَى مَعَاد " أَيْ لَرَادّك إِلَى مَكَّة كَمَا أَخْرَجَك مِنْهَا وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله " لَرَادّك إِلَى مَعَاد" إِلَى مَوْلِدك بِمَكَّةَ . وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم وَقَدْ رَوَى اِبْن عَبَّاس وَيَحْيَى بْن الْخَرَّاز وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَعَطِيَّة وَالضَّحَّاك نَحْو ذَلِكَ . وَحَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا اِبْن أَبِي عُمَر قَالَ : قَالَ سُفْيَان فَسَمِعْنَاهُ مِنْ مُقَاتِل مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَة عَنْ الضَّحَّاك قَالَ لَمَّا خَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّة فَبَلَغَ الْجُحْفَة اِشْتَاقَ إِلَى مَكَّة فَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِ " إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْك الْقُرْآن لَرَادّك إِلَى مَعَاد " إِلَى مَكَّة وَهَذَا مِنْ كَلَام الضَّحَّاك يَقْتَضِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَة مَدَنِيَّة وَإِنْ كَانَ مَجْمُوع السُّورَة مَكِّيًّا وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَدْ قَالَ عَبْد الرَّزَّاق حَدَّثَنَا مَعْمَر عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى " لَرَادّك إِلَى مَعَاد" قَالَ هَذِهِ مِمَّا كَانَ اِبْن عَبَّاس يَكْتُمهَا . وَقَدْ رَوَى اِبْن أَبِي حَاتِم بِسَنَدِهِ عَنْ نُعَيْم الْقَارِيّ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله " لَرَادّك إِلَى مَعَاد " قَالَ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس وَهَذَا وَاَللَّه أَعْلَم يَرْجِع إِلَى قَوْل مَنْ فَسَّرَ ذَلِكَ بِيَوْمِ الْقِيَامَة لِأَنَّ بَيْت الْمَقْدِس هُوَ أَرْض الْمَحْشَر وَالْمَنْشَر وَاَللَّه الْمُوَفِّق لِلصَّوَابِ وَوَجْه الْجَمْع بَيْن هَذِهِ الْأَقْوَال أَنَّ اِبْن عَبَّاس فَسَّرَ ذَلِكَ تَارَة بِرُجُوعِهِ إِلَى مَكَّة وَهُوَ الْفَتْح الَّذِي هُوَ عِنْد اِبْن عَبَّاس أَمَارَة عَلَى اِقْتِرَاب أَجَل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فَسَّرَ اِبْن عَبَّاس سُورَة " إِذَا جَاءَ نَصْر اللَّه وَالْفَتْح" إِلَى آخِر السُّورَة أَنَّهُ أَجَل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُعِيَ إِلَيْهِ وَكَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَوَافَقَهُ عُمَر عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ : لَا أَعْلَم مِنْهَا غَيْر الَّذِي تَعْلَم . وَلِهَذَا فَسَّرَ اِبْن عَبَّاس تَارَة أُخْرَى قَوْله : " لَرَادّك إِلَى مَعَاد " بِالْمَوْتِ وَتَارَة بِيَوْمِ الْقِيَامَة الَّذِي هُوَ بَعْد الْمَوْت وَتَارَة بِالْجَنَّةِ الَّتِي هِيَ جَزَاؤُهُ وَمَصِيره عَلَى أَدَاء رِسَالَة اللَّه وَإِبْلَاغهَا إِلَى الثَّقَلَيْنِ الْإِنْس وَالْجِنّ وَلِأَنَّهُ أَكْمَل خَلْق اللَّه وَأَفْصَح خَلْق اللَّه وَأَشْرَف خَلْق اللَّه عَلَى الْإِطْلَاق وَقَوْله تَعَالَى : " قُلْ رَبِّي أَعْلَم مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَال مُبِين " أَيْ قُلْ لِمَنْ خَالَفَك وَكَذَّبَك يَا مُحَمَّد مِنْ قَوْمك مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ عَلَى كُفْرهمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَم بِالْمُهْتَدِي مِنْكُمْ وَمِنِّي وَسَتَعْلَمُونَ لِمَنْ تَكُون لَهُ عَاقِبَة الدَّار وَلِمَنْ تَكُون الْعَاقِبَة وَالنُّصْرَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُذَكِّرًا لِنَبِيِّهِ نِعْمَته الْعَظِيمَة عَلَيْهِ وَعَلَى الْعِبَاد إِذْ أَرْسَلَهُ إِلَيْهِمْ.
كتب عشوائيه
- شرح كتاب الطهارة من بلوغ المرامشرح كتاب الطهارة من بلوغ المرام: شرحٌ مُيسَّرٌ لباب الآنية من كتاب الطهارة من الكتاب النافع: «بلوغ المرام».المؤلف : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي الناشر : شبكة الألوكة http://www.alukah.net المصدر : http://www.islamhouse.com/p/314983 
- تعليقات الشيخ ابن باز على متن العقيدة الطحاويةالعقيدة الطحاوية : متن مختصر صنفه العالم المحدِّث: أبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الطحاوي، المتوفى سنة 321هـ، وهي عقيدةٌ موافقة في جُلِّ مباحثها لما يعتقده أهل الحديث والأثر، أهل السنة والجماعة، وقد ذَكَرَ عددٌ من أهل العلم أنَّ أتْبَاعَ أئمة المذاهب الأربعة ارتضوها؛ وذلك لأنها اشتملت على أصول الاعتقاد المُتَّفَقِ عليه بين أهل العلم، وذلك في الإجمال لأنَّ ثَمَّ مواضع اُنتُقِدَت عليه، وفي هذه الصفحة ملف يحتوي على تعليقات واستدراكات كتبها الشيخ ابن باز - رحمه الله - على متن العقيدة الطحاوية.المؤلف : عبد العزيز بن عبد الله بن باز المصدر : http://www.islamhouse.com/p/322226 
- العقيدة الصحيحة وما يضادها ونواقض الإسلامالعقيدة الصحيحة وما يضادها ونواقض الإسلام: محاضرة ألقاها فضيلة العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - بين فيها أصول عقيدة أهل السنة والجماعة، إذا أنه من المعلوم بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة أن الأعمال والأقوال إنما تصح وتقبل إذا صدرت عن عقيدة صحيحة، فإن كانت العقيدة غير صحيحة بطل ما يتفرع عنها من أعمال وأقوال.المؤلف : عبد العزيز بن عبد الله بن باز الناشر : موقع الإسلام http://www.al-islam.com المصدر : http://www.islamhouse.com/p/1872 
- مبادئ الإسلامقال المؤلف: ليس الإيمان بالله وبما أوجد على الأرض، وفي السماء وما بينهما، ليس الإيمان بخالق الكون ومدبره بكلمات يتغنى البعض بالنطق بها، رئاء الناس وإرضاء لهم؛ إنما الإيمان بالله اعتقاد مكين بالقلب مع تلفظ فاضل باللسان، وقيام بأعمال مفروضة تؤكد أن العبودية هي للبارئ تبارك اسمه، وجلّت قدرته، لا شريك له في الملك.المؤلف : أبو الأعلى المودودي المصدر : http://www.islamhouse.com/p/380073 
- التلخيصات لجل أحكام الزكاةقال المؤلف - رحمه الله -:- « فالداعي لتأليف هذا الكتاب هو أني رأيت كثيرًا من الناس المؤدين للزكاة يجهلون كثيرًا من أحكامها ويحرصون على تصريف الذي يخرجون في رمضان؛ رغبة منهم في مزيد الأجر لفضيلة الزمان. فرأيت من المناسب أن ألخص من كتب الفقه ما أرى أنه تتناسب قراءته مع عموم الناس، خصوصًا في الوقت الذي يقصدونه غالبًا لإخراجها، وهو شهر رمضان - شرفه الله - وعشر ذي الحجة، لما في ذلك من مضاعفة الأجر. وحرصت على تهذيبه، والاعتناء بذكر دليله من الكتاب أو السنة أو منهما جميعًا ».المؤلف : عبد العزيز بن محمد السلمان المصدر : http://www.islamhouse.com/p/2564 



















