القرآن الكريم » تفسير ابن كثر » سورة الكهف
وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) (الكهف) 
وَقَوْله " وَوُضِعَ الْكِتَاب " أَيْ كِتَاب الْأَعْمَال الَّذِي فِيهِ الْجَلِيل وَالْحَقِير وَالْفَتِيل وَالْقِطْمِير وَالصَّغِير وَالْكَبِير " فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ " أَيْ مِنْ أَعْمَالهمْ السَّيِّئَة وَأَفْعَالهمْ الْقَبِيحَة وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتنَا أَيْ يَا حَسْرَتنَا وَوَيْلنَا عَلَى مَا فُرِّطَ فِي أَعْمَارنَا " مَا لِهَذَا الْكِتَاب لَا يُغَادِر صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة إِلَّا أَحْصَاهَا " أَيْ لَا يَتْرُك ذَنْبًا صَغِيرًا وَلَا كَبِيرًا وَلَا عَمَلًا وَإِنْ صَغُرَ إِلَّا أَحْصَاهَا أَيْ ضَبَطَهَا وَحَفِظَهَا . وَرَوَى الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَادِهِ الْمُتَقَدِّم فِي الْآيَة قَبْلهَا إِلَى سَعْد اِبْن جُنَادَة قَالَ : لَمَّا فَرَغَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَة حُنَيْن نَزَلْنَا قَفْرًا مِنْ الْأَرْض لَيْسَ فِيهِ شَيْء فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اِجْمَعُوا مَنْ وَجَدَ عُودًا فَلْيَأْتِ بِهِ وَمَنْ وَجَدَ حَطَبًا أَوْ شَيْئًا فَلْيَأْتِ بِهِ " قَالَ فَمَا كَانَ إِلَّا سَاعَة حَتَّى جَعَلْنَاهُ رُكَامًا فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَتَرَوْنَ هَذَا ؟ فَكَذَلِكَ تُجْمَع الذُّنُوب عَلَى الرَّجُل مِنْكُمْ كَمَا جَمَعْتُمْ هَذَا فَلْيَتَّقِ اللَّه رَجُل وَلَا يُذْنِب صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة فَإِنَّهَا مُحْصَاة عَلَيْهِ " . وَقَوْله " وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا " أَيْ مِنْ خَيْر وَشَرّ كَمَا قَالَ تَعَالَى " يَوْم تَجِد كُلّ نَفْس مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْر مُحْضَرًا " الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى " يُنَبَّأ الْإِنْسَان يَوْمئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ " وَقَالَ تَعَالَى " يَوْم تُبْلَى السَّرَائِر " أَيْ تَظْهَر الْمُخَبَّآت وَالضَّمَائِر قَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيد حَدَّثَنَا شُعْبَة عَنْ ثَابِت عَنْ أَنَس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لِكُلِّ غَادِر لِوَاء يَوْم الْقِيَامَة يُعْرَف بِهِ " أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي لَفْظ " يُرْفَع لِكُلِّ غَادِر لِوَاء يَوْم الْقِيَامَة عِنْد اِسْته بِقَدْرِ غَدْرَته يُقَال هَذِهِ غَدْرَة فُلَان بْن فُلَان " وَقَوْله " وَلَا يَظْلِم رَبّك أَحَدًا " أَيْ فَيَحْكُم بَيْن عِبَاده فِي أَعْمَالهمْ جَمِيعًا وَلَا يَظْلِم أَحَدًا مِنْ خَلْقه بَلْ يَعْفُو وَيَصْفَح وَيَغْفِر وَيَرْحَم وَيُعَذِّب مَنْ يَشَاء بِقُدْرَتِهِ وَحِكْمَته وَعَدْله وَيَمْلَأ النَّار مِنْ الْكُفَّار وَأَصْحَاب الْمَعَاصِي ثُمَّ يُنَجِّي أَصْحَاب الْمَعَاصِي وَيُخَلِّد فِيهَا الْكَافِرِينَ وَهُوَ الْحَاكِم الَّذِي لَا يَجُور وَلَا يَظْلِم قَالَ تَعَالَى " إِنَّ اللَّه لَا يَظْلِم مِثْقَال ذَرَّة وَإِنْ تَكُ حَسَنَة يُضَاعِفهَا " الْآيَة وَقَالَ " وَنَضَع الْمَوَازِين الْقِسْط لِيَوْمِ الْقِيَامَة فَلَا تُظْلَم نَفْس شَيْئًا - إِلَى قَوْله - حَاسِبِينَ " وَالْآيَات فِي هَذَا كَثِيرَة وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا يَزِيد أَخْبَرَنَا هَمَّام بْن يَحْيَى عَنْ الْقَاسِم بْن عَبْد الْوَاحِد الْمَكِّيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عُقَيْل أَنَّهُ سَمِعَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه يَقُول : بَلَغَنِي حَدِيث عَنْ رَجُل سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاشْتَرَيْت بَعِيرًا ثُمَّ شَدَدْت عَلَيْهِ رَحْلًا فَسِرْت عَلَيْهِ شَهْرًا حَتَّى قَدِمْت عَلَيْهِ الشَّام فَإِذَا عَبْد اللَّه بْن أُنَيْس فَقُلْت لِلْبَوَّابِ قُلْ لَهُ جَابِر عَلَى الْبَاب فَقَالَ اِبْن عَبْد اللَّه : قُلْت نَعَمْ فَخَرَجَ يَطَأ ثَوْبه فَاعْتَنَقَنِي وَاعْتَنَقْته فَقُلْت حَدِيث بَلَغَنِي عَنْك أَنَّك سَمِعْته مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقِصَاص فَخَشِيت أَنْ تَمُوت أَوْ أَمُوت قَبْل أَنْ أَسْمَعهُ فَقَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " يَحْشُر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ النَّاس يَوْم الْقِيَامَة - أَوْ قَالَ الْعِبَاد - عُرَاة غُرْلًا بُهْمًا " قُلْت وَمَا بُهْمًا ؟ قَالَ " لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْء ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعهُ مَنْ قَرُبَ : أَنَا الْمَلِك أَنَا الدَّيَّان لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْل النَّار أَنْ يَدْخُل النَّار وَلَهُ عِنْد أَحَد مِنْ أَهْل الْجَنَّة حَقّ حَتَّى أَقْضِيه مِنْهُ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْل الْجَنَّة أَنْ يَدْخُل الْجَنَّة وَلَهُ عِنْد رَجُل مِنْ أَهْل النَّار حَقّ حَتَّى أَقْضِيه مِنْهُ حَتَّى اللَّطْمَة قَالَ : قُلْنَا كَيْف وَإِنَّمَا نَأْتِي اللَّه عَزَّ وَجَلَّ حُفَاة عُرَاة غُرْلًا بُهْمًا ؟ قَالَ " بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَات " وَعَنْ شُعْبَة عَنْ الْعَوَّام بْن مُزَاحِم عَنْ أَبِي عُثْمَان عَنْ عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إِنَّ الْجَمَّاء لَتَقْتَصّ مِنْ الْقَرْنَاء يَوْم الْقِيَامَة " رَوَاهُ عَبْد اللَّه بْن الْإِمَام أَحْمَد وَلَهُ شَوَاهِد مِنْ وُجُوه أُخَر وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا عِنْد قَوْله تَعَالَى " وَنَضَع الْمَوَازِين الْقِسْط لِيَوْمِ الْقِيَامَة فَلَا تُظْلَم نَفْس شَيْئًا " وَعِنْد قَوْله تَعَالَى " إِلَّا أُمَم أَمْثَالكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَاب مِنْ شَيْء ثُمَّ إِلَى رَبّهمْ يُحْشَرُونَ " .
كتب عشوائيه
- امتحان القلوبامتحان القلوب: فإن الحديث عن القلب وامتحانه وابتلائه حديث بالغ الأهمية في وقت قست فيه القلوب، وضعف فيه الإيمان، واشتغل فيه بالدنيا، وأعرض الناس عن الآخرة، ومن المهم معرفة ما يعرِض للقلب خلال سيره إلى الله من امتحانات وابتلاءات، وعلامات صحته وعلَّته، ومواطن الابتلاء والامتحان له. وقد جاء الكتاب يتناول هذه الموضوعات وغيرها بشيءٍ من التفصيل.
المؤلف : ناصر بن سليمان العمر
الناشر : موقع المسلم http://www.almoslim.net
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/337317
- المرأة بين إشراقات الإسلام وافتراءات المنصرينالمرأة بين إشراقات الإسلام وافتراءات المنصرين : ردا على كتاب القمص مرقس عزيز المرأة في اليهودية والمسيحية والإسلام. لقد ردّ المؤلف في هذا السفر العظيم على شبهات وأباطيل كثيرة، حُشدت حول المرأة ومكانتها في الإسلام، ردّ عليها بمنهجية علمية دقيقة، التزم فيها الموضوعية والنزاهة وإيراد الحجج والبراهين، ولقد رجع المؤلف إلى نصوص كتبهم التي يعتقدون أنها من عند الله !! وتوخّى أن يعود إلى نُسخ الكتب المعتمدة لديهم بلغاتها الأصلية كشفاً للتزوير في الترجمات، وحرصاً على الدقة في إيصال المعلومة، وإحقاقاً للحق ودحضاً للباطل وشبهاته، وقد أبان لنا المؤلف عن مدى الانحطاط الذي بلغته المرأة فيما يطرحه المنصرون من ضلالات زعموا فيها القداسة، فأبطل مزاعمهم وردّ على ترهاتهم. إن هذا السفر العظيم ليُعدّ مرجعاً علمياً رصيناً؛ لا يستغني عنه باحث عن الحق، أو دارس في مقارنة الأديان، خاصة أنه حفل بقائمة متنوعة من المصادر والمراجع بشتى اللغات.
المؤلف : سامي عامري
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/289733
- يومك في رمضانكتاب قيم مفيد يحدثنا عن المسلم الصائم في رمضان، وما ينبغي أن يحرص عليه حال صيامه، ولا شك أنه لابد أن يغرس في نفسه الأخلاق الفاضلة أثناء هذه الشعيرة العظيمة، ولا ينسى أن يسأل ربه عند فطره لأن الله وعد عباده بإجابة دعائهم عند إفطارهم، ولا ينسى أيضًا الحرص على صلاة التراويح إذ أنها سنة مستحبة يغفر الله الذنوب بها.
الناشر : موقع رسول الله http://www.rasoulallah.net
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/332496
- مفهوم الحكمة في الدعوةمفهوم الحكمة في الدعوة: فهذه كلمات في الحكمة والدعوة دعا إليها - في تقديري - ما يلحظ في الساحة من نشاط يقوم به رجال أفاضل يدعون إلى الله، ويلاقون في دعوتهم ما يلاقيه من يقوم بمهمتهم في الماضي والحاضر وفي كل حين، فهي سنة الله في الحاضرين والغابرين. والدعوة إلى الله هي طريق المرسلين. وقد لاقى أنبياء الله في ذلك ما لاقوا من العنت والصدود والإباء والاستكبار من لدن فئات كثيرة، وطبقات كبيرة من الملأ الذين استكبروا. وفي هذه الكلمات سوف ينحصر الكلام على الحكمة بيانا لمعناها وإيضاحا لمدلولاتها.
المؤلف : صالح بن عبد الله بن حميد
الناشر : موقع الإسلام http://www.al-islam.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/144922
- إمام المسجد مقوماته العلمية والخلقيةإمام المسجد مقوماته العلمية والخلقية : يعتبر إمام المسجد وخطيبه عماد المسجد ونبراسه وقوته، به يؤدي المسجد وظائفه الدينية والاجتماعية، فإذا كان خطيب المسجد عالما عاملا قوي الشخصية، نافذ البصيرة، سديد الرأي، رفيقا حليما ثبتا، ثقة عارفا بعادات الناس وأحوالهم، كان تأثيره في جماعة المسجد وأهل الحي قويا مفيدا يعلمهم ويرشدهم ويقودهم إلى الخير والفضيلة، وفي هذه الرسالة المختصرة بيان مقومات الإمام العلمية والخلقية.
المؤلف : سعود بن محمد البشر
الناشر : موقع الإسلام http://www.al-islam.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/144883












